بيان بشأن الإصلاح الدستوري والسياسي إخوان أون لاين - 23/03/2005
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمدُ لله ربِّ العالمين والصلاةُ والسلامُ على أشرفِ المرسلين سيدِنا ونبينا محمد المبعوثِ رحمةً للعالمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين، وبعد..
فلا يخفى على ذوي الألباب أن حالة الجمود والركود والانسداد السياسي الذي عانته مصر طوال العقود الماضية قد أدى إلى التخلف العلمي والتقني والحضاري والأزمات الاقتصادية الحادة، فضلاً عن تهميش الدور المصري على المستوى القومي، وانصراف الشعب عن المشاركة السياسية، فضلاً عن حالة العصيان المدني الصامت التي يعيشها، وللأسف شاركت بعض النُّخب السياسية والفكرية في تعميق هذا الشعور السلبي؛ بخضوعها لإغراءاتٍ وتهديداتٍ متواليةٍ من قِبل الحكومة، وعجزها عن التضحية في سبيل حرية المصريين.
واليوم تمر مصر بظروفٍ تتعرض فيها لضغوطٍ خارجية تستهدف توظيف مقدراتها السياسية والاقتصادية لخدمة المشروع الصهيوني، ولتحقيق المصالح الأمريكية، دون أي تقديرٍ لمشاعر الشعب المصري وطموحاته الحقيقية في الحرية والديمقراطية والرفاهية والعدالة.
وغنيٌّ عن البيان أن مبادرة الإصلاح التي أعلنها الإخوان في 3/3/2004م والتي لقيت ترحيبًا من معظم شرائح المجتمع، لم تلق- سواء هي أو بعض المبادرات الوطنية الهادفة للإصلاح- أية استجابة من النظام الحاكم طيلة ما يقرب من العام!، حتى تقدم السيد رئيس الجمهورية في أواخر فبراير من هذا العام بطلب تعديل المادة 76 من الدستور المصري بحيث تسمح بانتخاب رئيس الجمهورية من بين أكثر من مرشحٍ بالانتخاب الحر المباشر، وقد رحب الإخوان بهذه الخطوة فور إعلانها، واعتبروها خطوة تمثل تحركًا إيجابيًا على طريق الإصلاح السياسي المنشود، واستجابةً لنبض الشارع المصري، إلا أنه يجب أن تتبعها خطوات أخرى تصب جميعها في خانة إطلاق الحريات العامة، للنهوض بمصر وتقدمها ورقيها، ولمواجهة التحديات الخارجية.
إلا أن الإخوان المسلمين، بعد رصدهم لما تلا إعلان السيد الرئيس من إجراءاتٍ وتصريحاتٍ من قِبل بعض قيادات الحزب الحاكم، يعبِّرون عن قلقهم العميق من المحاولات التي تجري لتفريغ ذلك التعديل من مضمونه، والالتفاف حول الإصلاح الحقيقي الذي يتمناه المصريون ليحفزهم للمشاركة، والعمل الجاد للقيام بواجبهم، ومسئوليتهم الوطنية في النهوض ببلدهم، وتقويته لكي يواجه ما يحيط به من تهديدات.
ولذلك فإن الإخوان المسلمين يؤكدون على مطالبهم المستمرة بالإصلاح السياسي الشامل، ويرون أن الحدَّ الأدنى من الإجراءات التي يجب اتخاذها في هذه المرحلة الدقيقة من حياة الأمة يتمثل فيما يلي:
1. إيقاف العمل بقانون الطوارئ إيقافًا نهائيًا وفوريًا، وتهيئة المناخ الحر السليم للممارسة الديمقراطية الحقيقية، مثل حرية الاجتماعات الجماهيرية العامة والتظاهر السلمي، والإفراج عن جميع السجناء والمعتقلين السياسيين، ووقف الإجراءات التعسفية، وكافة أشكال التعذيب البدني والنفسي الذي يُمارس من بعض أجهزة الأمن في حق المواطنين، وذلك كمقدمة لعمل مصالحة عامة بين أبناء الأمة بما يعمِّق الانتماء بين أبناء الوطن جميعًا.
2. إلغاء المحاكم والقوانين الاستثنائية المقيدة للحريات، وعلى الأخص قانون الأحزاب، وقانون المدعى الاشتراكي وقانون مباشرة الحقوق السياسية وقانون النقابات وغيرها من القوانين التي أدَّت إلى حالة الجمود والانسداد السياسي الذي تعانيه الحياة السياسية المصرية، مع إطلاق حرية إصدار الصحف وتشكيل الأحزاب السياسية دون أية قيود، وأن يكون الناخب هو المرجعية الوحيدة في تقرير شعبية ومكانة أي من هذه الأحزاب في الحياة العامة في مصر.
3. تهيئة المناخ المناسب والسليم لإجراء انتخابات حرة تعبر تعبيرًا حقيقيًا عن الإرادة الشعبية في اختيار قيادتها وممثليها في مجلسي الشعب والشورى والمجالس الشعبية المحلية، ويجب أن تتم تنقية جداول الانتخاب، والإسراع بالانتهاء من مشروع الرقم القومي لضبط عملية التصويت، وتوفير الإشراف القضائي الكامل على العملية الانتخابية برمَّتها وفي جميع مراحلها، والتوقف عن أية تدخلات خارجية تؤثر على نزاهة العملية الانتخابية وحرية الناخبين في ممارسة حقهم، بل واجبهم الانتخابي.
4. تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني وإزالة المعوقات أمام إنشائها، وعدم التدخل في شئونها من قِبل الأجهزة الأمنية.
5. لن يكتمل الهدف من تعديل المادة 76 من الدستور إلا بتعديل مواد أخرى تتعلق بالصلاحيات غير المحدودة التي يتيحها الدستور لرئيس الجمهورية، وكذلك بعدد مرات ولاية الرئيس ومدة الولاية الواحدة، حيث ينبغي ألا تتجاوز فترة الرئاسة أربع سنوات قابلة للتمديد لمدة واحدة فقط، وفي هذا الصدد ندعو إلى تشكيل لجنةٍ عليا من 25 فقيهًا دستوريًا من كافة الاتجاهات لتقوم خلال شهر واحد بإعداد التعديلات المطلوبة لإقرارها وِفق الطرق الدستورية.
6. فيما يتعلق بانتخاب رئيس الجمهورية، يجب إتاحة فرصة الترشيح لكل من يرغب ويرى في نفسه القدرة على الاضطلاع بمهام هذا المنصب الرفيع، سواء كان حزبيا أو مستقلاً، على أن يُكتفى بالحصول على عددٍ من توقيعات الناخبين لا يتجاوز عشرين ألفًا موزعين على مناطق مختلفة من الجمهورية، ويجب ألا توضع أية عراقيل أو شروط تعجيزية تفرغ التعديل المقترح من مضمونه، وتمنع المواطنين من التقدم للترشيح، أو تقلل من فرص توافر منافسة حقيقية بين أكثر من مرشح يختار الشعب من بينهم من يرى أنه الأصلح أو الأقدر على قيادتهم.
ويؤكد الإخوان أنهم بهذه المطالب لا يبتغون غير وجه الله وإصلاح الوطن، ولا يهدفون إلى أية مكاسب سياسية أو مغانم عاجلة، وأنهم سوف يؤيدون أي مرشح يرون فيه الكفاءة والقدرة لقيادة مصر في هذه المرحلة الحرجة من تاريخها، وأنهم سيسعون- باستخدام كافة الوسائل الدستورية والقانونية والسياسية- إلى تحقيق مطالبهم ومطالب الأمة في حياة ديمقراطية سليمة تتوافر من خلال الحريات والمناخ اللازم للممارسة السياسية الصحيحة، دون أي تدخل أو فرض من الخارج، لتحقيق مصلحة الوطن ورفعته ووصوله إلى المكانة التي يستحقها بين أمم العالم.
وفي هذا الصدد ندعو الشعب المصري بكل مكوناته وكافة اتجاهاته وفئاته وقواه وأحزابه ومفكريه ورجاله ونسائه، وخاصةً ذوى الرأي في كافة مؤسسات الدولة، أن يسهموا في التفاعل من أجل إنجاز هذا التغيير الدستوري المرتقب، وأن يشارك جميع المعنيين في كل الفاعليات، وأن يستخدموا حقهم الدستوري في التعبير عن رأيهم لدى المؤسسات التشريعية ومؤسسة الحكم حتى تستجيب لنداء الأمة ورغبتها في حياة أفضل.
إننا جميعًا مطالبون بالوقوف بكل حزم أمام بعض المحاولات التي تتم الآن من أصحاب المصالح الفردية لتفريغ هذا التعديل المرتقب من مضمونه، ونحن في ذلك نؤكد على ضرورة الالتزام بالدستور والقانون في التعبير عن الرأي بكل الوسائل المشروعة، وبالطرق السلمية الموضوعية، لضمان الحفاظ على وطننا العزيز وعلى شعبنا وقومنا، وضمان حفظ الاستقرار، وعدم السماح لأحد بالخروج عن الإطار المنضبط في الأداء السلمي للتعبير عن الرأي.
وفي النهاية ندعو الحكومة ورموزها إلى الكفِّ عن الأسلوب اللامنطقي واللامعقول الذي تتعامل به مع قضية الإصلاح الدستوري والسياسي، وأن ترتفع إلى مستوى طموحات الشعب وأمانيه، فالتحديات الداخلية والخارجية التي تواجهها مصر في هذه المرحلة تقتضي تكاتف كافة الجهود وتضافر كل القوى، فضلاً عن الجدية واستشعار المسئولية، والإحساس بالأمانة من أجل نهضة الأمة وتقدمها.
حفظ الله مصر شعبًا ووطنًا، ووقاها من كل سوء "فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وأُفَوِّضُ أَمْرِي إلَى اللَّهِ إنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَاد" (غافر: 44)، "واللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ ولَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ" (يوسف: 21).
والله من وراء القصد وهو يهدي إلى سواء السبيل... والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
القاهرة في: 13 من صفر 1426هـ الموافق 23 من مارس 2005م.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق