عمان، بغداد - رنا الصباغ الحياة 2005/05/15
يتجه نائب رئيس الوزراء العراقي أحمد الجلبي الى رفض تسوية قضيته العالقة مع الأردن سياسياً ما لم يحصل على تعويضات مالية له ولأحد كبار مساعديه وكبار مساهمي بنك «البتراء» الذي كان يترأسه عشية انهياره عام 1988، تحت وطأة اختلاسات مالية قدرت بحوالي 288 مليون دولار، حسبما قالت مصادر سياسية مطلعة في عمان أمس.
وتقف هذه القضية العالقة حجر عثرة أمام محاولة الأردن تعزيز علاقاته الاقتصادية التقليدية والحيوية مع جارته القوية العراق - شريكه التجاري الأول قبل اطاحة نظام صدام حسين في ربيع 2003. وكثف الأردن محاولاته لإعادة رسم علاقات سياسية مع العراق الجديد، بعدما أفرزت الانتخابات التشريعية مطلع العام الحالي هيمنة سياسية للغالبية الشيعية، بعد عقود من حكم السنّة بقيادة صدام حسين الذي كان حليف الاردن الرئيس لسنوات طويلة تخلّلها مد وجزر سياسيان.
يتزامن ذلك مع تأكيدات بأن الأردن والجلبي يسعيان بالتراضي الى إغلاق ملف القضية التي تثير حساسية عالية لدى الكثير من الأردنيين، في إطار «صفقة سياسية» ستكون ثمرة مفاوضات سرية تنقلت خلال شهور بين عمان ولندن وواشنطن.
وتكثفت المفاوضات بعد انضمام الجلبي للحكومة العراقية الجديدة، وسط مؤشرات بأنه قد يصبح رجل العراق القوي من خلال شرعية صناديق الاقتراع، وبالارتكاز إلى توظيف ثروته الكبيرة وعلاقاته القوية مع رجال الدين في ايران، وليس استناداً الى علاقاته المثيرة للجدل مع واشنطن.
وتملكت الدهشة مسؤولين أردنيين فور سماعهم ان وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس اتصلت هاتفياً بالجلبي لتهنئته بمنصبة الوزاري الجديد، بعد شهور من فتور العلاقات بين الجلبي وواشنطن.
وقالت مصادر ديبلوماسية ان للجلبي أيضاً مصلحة رئيسة في حل القضية مع الاردن، لكي يعزز موقعه ونفوذه الداخليين بعد صعوده المبرمج داخل دوائر الحكم. كذلك يستفيد رجل المال الذي امتطى السياسة من هذا التقارب لجهة مساعدته «على تنقية سمعته من هذه الشائبة التي لا تزال تلقي بظـــلالها على ســـيرته كسياسي امام قواعده الشعبية».
كذلك يحتاج العراق الجديد إلى كسب دعم الدول العربية وخصوصاً الاردن، حليف الولايات المتحدة الرئيس، الذي كان بين أوائل الدول التي شرعت بتدريب أفراد من الجيش والشرطة العراقية لمساعدة السلطة على بسط نفوذها ومقاومة الارهاب.
لذا وجدت الحكومة الاردنية والجلبي امام تطورات جديدة تحتم إغلاق ملف تداعيات أكبر فضيحة بنكية عرفها الاردن حتى الآن، على نحو «خلاق» وبما يحفظ ماء الوجه للطرفين.
وازداد زخم الحراك الاردني ، بعدما روى قريبون من الجلبي في بغداد ان بحوزته وثائق اصلية، عن صفقات وتحويلات مالية بملايين الدولارات، عثر عليها غداة دخول الاميركيين الى بغداد، قد تكشف تورط شخصيات سياسية أردنية وعراقية، ورجال أعمال أردنيين متنفذين في عمليات فساد مزعوم، ومنها تهريب نفط عراقي قبل سقوط نظام صدام حسين وبعده. ومن شأن نشر مثل هذه الوثائق ان يثير المجتمع الاردني وسط تنامي دعوات للقضاء على الفقر والبطالة والفساد وتعزيز مبدأ الحاكمية الرشيدة.وقال قريبون من الجلبي في بغداد إنه سيقدم هذه الأوراق كجزء من قضية، أساسها «سياسي كيدي»، كان رفعها ضد الحكومة الاردنية في آب (اغسطس) الماضي في الولايات المتحدة، حيث كانت لبنك البتراء شركة فرعية. ويتهم الجلبي الدولة الاردنية بضلوعها في مؤامرة لمصادرة أصول وموجودات البنك الذي أسسه في عمان في أوائل السبعينات، عقب اتهامه ومن ثم إدانته بإفلاس المؤسسة.
واوضحت المصادر لـ «الحياة» أن الجلبي لا يزال مصراً حتى الآن على التحرك في مسارين متوازيين: قضائي ومالي، في مسعى لإيجاد تسوية مرضية للقضية العالقة منذ فّر من العاصمة الأردنية عام 1989 بعد تفجّر خيوط قضية البنك.
ويزور المدير العام لدائرة المخابرات الاردنية السابق المشير سعد خير، الذي اشرف على المفاوضات الاردنية مع وسطاء الجلبي منذ شهور، في واشنطن التي وصلها منذ أيام في زيارة خاصة، وسط مؤشرات الى أن المحادثات قد تقترب من نهايات ايجابية قريباً.
وقالت المصادر لـ «الحياة» إن الجلبي لن يسقط القضية في واشنطن، قبل ان يحصل على مطالبه الاساسية المتمثلة بتسوية مالية تدفعها الدولة الاردنية «لتعويض حملة اسهم بنك البتراء الذين اصبحت استثماراتهم تساوي صفراً بين ليلة وضحاها». كذلك يطلب الجلبي تعويضات له ولمعاونه العراقي علي الصّراف، عن الاموال التي خسروها في قضية البنك، و«التشهير والأذى النفسي الذي طالهما بسبب هذه القضية، اضافة الى تعويض الجلبي عن فيلا كان يقطنها وسط حي عبدون الراقي، وكانت بيعت بمزاد علني بسعر بخس في عملية غير شفافة».
وعلى رغم ان حثيثيات هذه القضية قد لا تعلن بالكامل بسبب كلفتها على الدولة، سياسياً وشعبياً، إلا ان من شأن المعادلة المطروحة العمل على احترام حقوق المساهمين المالية.
وتوقعت المصادر ان تتضمن التسوية إعلان عفو خاص عن الجلبي قد يصدره العاهل الاردني الملك عبدالله بحسب صلاحياته الدستورية، ليصار بعدها الي سحب طلب تسليم الجلبي للأردن، والذي يجدده الاردن تلقائياً كل عام لدى منظمة الانتربول الدولية. بيد أن المنظمة لم تتخذ اي اجراءات حتى الآن لأنها لا تعترف بالحكم الصادر عن محكمة عسكرية.
وقالت مصادر موثوق بها إن المسؤولين الأردنيين والعراقيين تطرقوا الى قضية الجلبي خلال زيارة الرئيس العراقي جلال الطالباني لعمان قبل اقل من اسبوع،. واكد الطرفان ان القضية قد تشكل عقبة أمام محاولات تحسين العلاقات الثنائية، خصوصاً الاقتصادية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق