شؤون أردنية
في الكلمة التي القاها الملك عبدالله الثاني في عيد الجيش كشف عن نيّة حكومته:
" تخصيص نسبة من أسهم الشركات التي في طريقها للخصخصة لابناء القوات المسلحة والأجهزة الأمنية والمتقاعدين العسكريين حتى تباع لهم بأسعار تشجيعية وتسديد ثمنها بطريقة مريحة وسهلة من أجل تحسين مستوى الدخل للأفراد والضباط في القوات المسلحة والأجهزة الأمنية على المدى المتوسط والبعيد."
ان مضمون هذا القرار انما يهدف لتطويق الاحتقان الشعبي الواسع والمتعاظم ضد السياسة الاقتصادية النيوليبرالية عبر إيهام افراد المؤسسات العسكرية والامنية والقطاعات الاجتماعية المرتبطة بهم بفوائد التساوق مع السياسة التفريطية تلك، بينما يساهم ذات القرار من جهة اخرى في " زيادة إغراء" ما تبقي من الشركات العامة التي لم تتم خصخصتها بعد واعدادها للبيع للقطاع الخاص.
كما نرى فالقرار لا ينطبق بأثر رجعي على الشركات التي تم خصخصتها في السابق برغم انها الاكثر ربحية إن لم تكن الرابحة الوحيدة في الاقتصاد الاردني قبل ان تم خصخصتها وبات مالكوها الجدد من الرأسماليين –على اختلاف منابتهم واصولهم - يتحكمون بألعديد من مقدرات وثروات الأردن الوطنية كالفوسفات والبوتاس و المياه وغيرها.
وهناك اسألة عديدة تتبادر للذهن فيما يخص هذا القرار: مثلا، ما هي هذه النسبة التي أمر الملك بتوفيرها لأفراد القوات المسلحة والأمن العام من اسهم الشركات المنوي خصخصتها؟ هل ستؤهلهم لأن يكون لهم قرار اوحتي رأي في مصير تلك الشركات وآليات ادارتها على نحو ديمقراطي ينأى بها عن الافلاس والتصفية، بما هو في مصلحتهم و في مصلحة عمال ومستخدمي تلك الشركات ومصلحة الوطن عموماً؟ وهذا يقودنا لأسئلة اخرى أيضا: إذ كيف ستتم هندسة بيع أسهم تلك الشركات التي في طريقها للخصخصة؟ كيف ومتي سيتم احتساب القيمة الاسمية لتلك الأسهم وبايّ سعر؟ ومتى سيحق للمساهمين التحكم بها بيعاً وشراءً خصوصاً وانها ستكون بالتقسيط المريح؟
سيتضح لنا ان هذه الاسئلة مرتبطة بخيارات سياسية يقدم عليها القائمون على أمر البلاد والعباد وتحددها بشكل رئيس مصالحهم الطبقية الاجتماعية وليس لأنها بالضرورة سياسات صائبة تنموياً أو بوصفها الطريق الوحيد للتنمية الذي ليس له بديل
وبدايةً فالقرار واضح: " سوف تباع لهم باسعار تشجيعية وتسديد ثمنها بطريقة مريحة وسهلة!" والوجه الآخر لهذه العبارة، أن تسديد قيمة هذه الأسهم باقساط "مريحة وسهلة" سيضمن للمستثمر الرأسمالي دخلاً متواصلاً ودورياً على الاقل في المراحل الاولى من استثماره، مما يزيد من إغراءات بيع تلك الشركات وكل ما هو مطلوب من هذا المستثمر هو اصدار سندات اسهم للمشترين بينما يلعب اصدقاؤه مضاربو السوق المالي وماليو الشركة ذاتها بقيمة تلك الأسهم ذهابا وايابا صعودا ونزولا بدون ضوابط - في الوقت الذي تحافظ لهم الدولة على سعرصرف الدينار امام الدولار- ومن خلال طرح وتداول اسهم تلك الشركات في السوق المالب يتأتى لهؤلاء "المستثمرين" تمرير هذه الأسهم وحصد المزيد من مدخرات مغفلين آخرين من قطاعات اجتماعية اخرى من الشرائح الوسطى والمضاربين الصغار وغيرهم من "حرّيفة" الاغتناء بضربة حظ. مع إمكانية تسارع هذه الوتيرة على نحو مأساوي إذا دعت الضرورة بهؤلاء المستثمرين الكبار لتخفيف محافظهم المالية في الاردن او إذا رغبوا في الخروج باموالهم من البلد في حال تبدل المناخ الاستثماري في المنطقة والاردن و"نحن بلد شديد التأثر!" كما يؤكد لنا اقتصاديو وسياسيو البلد من خلال اجهزة الاعلام الرسمية
والسؤال الذي يطرح نفسه، هل ستعمد الدولة إلى التدخل لحماية المستثمرين الصغارفي حالة سيناريو كهذا؟ إنه من غير المحتمل أن تقدم على ذلك وإلا لجاء قرار بيع الأسهم الموعز به من الملك بأثرٍ رجعي، ولتم فرضه الآن على المستثمرين في الشركات المخصخصة والتي في طريقها للخصخصة على حدٍ سواء. خصوصاً و أن الظروف الاستثمارية مؤاتية للحكومة وتؤهلها على ضبط هؤلاء المستثمرين وتحديد خياراتهم (محليين واجانب وإن على نحوٍ متفاوت) والضغط عليهم. لماذا لا؟! ألم يختاروا الاردن لمناخها الاستثماري الامثل؟ وللاستفادة من تداعيات الحرب على العراق.. وديباجة " الاستقرار والبلد الآمن؟"
وإذا كانت الحكومة لاتستطيع او لا ترغب في التدخل بأثرٍ رجعي – ومن المفيد تحديد الاولى من الثانية – وإملاء قرارها على الشركات التي تم خصخصتها. فهل ستبادر في التدخل الآن مثلا من خلال تنظيم هيكلية وتراتبية اسهم تلك الشركات التي في طريقها للخصخصة، وفرض ضمانات وضوابط عليها حتى بعد ان يتم خصخصتها لكي لا تتبخراو تتآكل قيمة تلك الأسهم : مثلا ان تكون تلك الاسهم من النوع تفضيلي "ممتاز" او نخب " أ" حافظة لقيمتها الاسمية مع اخذ نسبة التضخم بعين الاعتبار. ولن يوفر مثل هذا الاجراء درجة من الحماية لهذه الأسهم واصحابها في حال افلاسها فحسب ، بل وسوف يساهم في تقليل مخاطر مثل هذا الافلاس وبالتالي في حماية مصير العاملين فيها من عمال ومستخدمين. فالشركات الخاصة عادة ما تفلس واميريكا، إذا احببتم، خير مثال بهذا الخصوص. إلا أن الفارق الأبرز في حالة بلد كالاردن انه لا يملك استطاعة دولة ضخمة ومتطورة اقتصاديا كاميريكا وقدرتها على استيعاب ازمات من هذا النوع وفرضها اوتصديرها للآخرين؟ لذلك فهذه الاسئلة وغيرها ضرورية في تحديد استراتيجية تنموية وطنية يتم تنسيقها وتدارس مخاطرها باستمرار، وليس في فتح الباب على مصراعيه للرأسمال العالمي والمحلي بدون حسيب اورقيب
من جهة أخرى فهذا القرار في أحسن الأحوال لن يرجع بالفائدة سوى على كبار الضباط في الجيش والأمن العام من ضمن القطاع المعني إذ هل تكفي مدخرات صغار الضباط والجنود والافراد لغيرسدّ الرمق؟ وهل سيفيدهم التقسيط على أي نحوٍ يذكر؟ على أية حال فإن احد اهم مناحي القرار أنه في النهاية سيخدم كما اوضحنا سابقا في ضخ مدخرات ابناء تلك المؤسسات – على محدوديتها – في الشركات التي في طريقها للخصخصة امعاناً في ترويجها واعدادها للبيع للقطاع الخاص. هذا الاخير سوف يتحكم لاحقا في استثمار وادارة هذه الشركات المخصخصة بدون اي ضوابط تذكر على حركة رساميلهم اوقراراتهم الاستثمارية داخل وخارج الاردن.
هذا الدعم الحكومي السخيّ للقطاع الخاص بات يأخذ اشكالا عدة، منها ما تكشف مؤخراً، على سبيل المثال من خلال استمرار دعم الحكومة لأسعار المحروقات للعديد من تلك الشركات بعد ان تمت خصخصتها وبكلفة على خزينة الدولة\المواطن تجاوزت 211 مليون دينار في العام الماضي، حيث ما زال ديوان المحاسبة يحقق في الامر
من هنا فهذا القراريحمل مخاطرإيهام قطاع – كالقطاع العسكري\الأمني – والفئات الاجتماعية المرتبطة فيه يفوائد التساوق مع السياسة الاقتصادية النيوليبرالية. و هو بالمناسبة قطاع تضرر بصورة مباشرة من سياسة التخاصية ومن تراجع دور القطاع العام في الاقتصاد الوطني ومن التغير الذي طرأ على دور الدولة. حيثُ تخلت هذه الأخيرة عن نظام التقاعد العسكري والحقته بالضمان الاجتماعي، ولم تعد لتسمح لمنتسبيه بالجمع بين الراتب التقاعدي والوظيفي، وقامت بحسب "توصيات" البنك وصندوق النقد الدوليين بتغيير قانون تقاعد المتضررين العسكريين فوضعت سقف اعلى للتقاعد بقيمة 500 دينار اردني. كما تم بموجب تلك "التوصيات" الغاء المادة المعروفة بـ"الاربع سنوات" والتي بموجبها تمنح فئة الضباط تقاعد الرتبة الاعلى من رتبتهم الحالية إذا امضوا في هذه الاخيرة اربع سنوات او اكثر عند تقاعدهم. وتم تخفيض احقية ومستوى التعويضات (بدل اصابة) وغيرها من البنود على نحوٍ مجحف افقد منتسبي المؤسسات العسكرية والأمنية العديد من المكاسب بينما ابقى على بنود تمييزية اخرى ضد المرأة مثل وقف صرف الراتب التقاعدي لورثة المتقاعدات العسكريات، واستمرار التأمين الصحي لاسرهن.
انه في أحسن الأحوال محاولة سياسية متواضعة لتنفيس وتطويق الاحتقان الشعبي المتصاعد ضد السياسة الاقتصادية التفريطية (النيوليبرالية) للحكم ولكسب هذا القطاع والقطاعات الاجتماعية المرتبطة فيه - والتي تعتبر مذكرة الـ 47 نائباً في البرلمان الأردني ضد الحكومة وبرنامجها الاقتصادي النيوليبرالي احد تعبيراته – إنها محاولة لكسبهم لصالح تمرير السياسة النيوليبرالية تلك و ضمان تسريعها في المرحلة المقبلة. انها في آخر المطاف مقامرة فاشلة سوف تؤدي إلى تفجير الأوضاع على نحو متسارع ودون اي ضمانات حال انكشافها. ولن ينقذ الموقف سوى امكانية تحالف ديمقراطي وطني مرتجى بين العمال ومنتسبي المؤسسات العسكرية وباقي مستخدمي المؤسسات في القطاعات الاقتصادية الاخرى من خدمية وغيرها في الأردن من أجل وقف هذه السياسة الاقتصادية المفرطة بمقدرات البلاد وثرواته الواطنيه والتي تهدد مستقبل الاجيال القادمة فيه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق