اخر عدد | الحوار المتمدن

١٤ نيسان ٢٠٠٨

"ما العمل؟" في الاجابة على تساؤل "حميدي،" مع التحية

اولا، شكرا لك يا اخ "حميدي" على الاهتمام. وهذه محاولة من طرفي لرد اولي على سؤالك في المقال السابق: "شو ممكن ينعمل؟"

* بداية، هناك الكثير مما يعمل وما يمكن القيام به. والسؤال المركزي الذي يطل مجددا هو "بما نبدأ؟" وقد فرضت ظروف كثيرة ان يتراجع هذا السؤال ويخلط بسؤالين على الاقل، واحد : لوين رايحين؟ - على رأي فيروز- وسؤال اخر ليس بالبرئ ذو طابع انكاري وهو: وهل هناك بديل؟ السؤال الاول مشروع، اما الاخير ففيه تضليل وخلط فاضح، فهو يشخصن البديل، وكان البديل هو ثمرة جهود فردية، ويمكن استنطاقه بتفاصيله سلفا كانه خارج من نص محفوظ. لا ان الواقع له جدله الخاص ويخلق بدائله من رحم تناقضاته، والمطلوب ان نتداخل ونتفاعل مع جدلية هذا الواقع
في حركته وتغيره عمليا ومعرفيا لكي نستبصر من سيرورته البدائل الممكنة والاكثر انسانية وعدالة. بمقدار تفاعلنا تتعزز ثقتنا بقدراتنا الجمعية وتتضح البدائل وتصبح ممكنة، وعلى رأي فلاحي بلادنا: "اللي بحضر ولادة عنزه بتجيب توم."
وحتى لا اطيل الجواب، الامرالاساس والملح الان هو "بما نبدأ؟" وهو في تلمس الامور المباشرة واليومية التي تمس وتهم معاش الناس. ان نستطيع ان نلقط نفسنا ونتلمس حالنا. وبالسبل الاكثر فاعلية والتي باتت الوحيدة المباحة وهي تحديدا اعادة اكتشاف حس التضامن الاجتماعي في الاردن وهو الذي تراجع بشكل مفزع. ليس بين المواطنين عموما لحسن الحظ، بل بين النخب السياسة وقدرتها على التعاطي مع هذه الرافعة، التضامن، خارج محاور الاستخدام النفعي الضيق والتقليدي. يجب اعادة اكتشاف هذه الرافعة في شروط بلدنا، والتي يستعملها الناس يوميا امام اعينا ، وان بنجاحات آنية ومحدودة وليس لها صفة الديمومة، لكنها وسيلتها الوحيدة حتى تعيش وتصل آخر الشهر، اولتتجاوز عثرات الزمان ..

انا اعتقد ان مجموعة مثل "ذبحتونا،" و"لا لرفع الاسعار" على سبيل المثال، هما خطوتان في الطريق الصحيح، المهم الاستمرارية والمتابعة وبناء المصداقية. وصححني اذا انا غلطان. كذلك اعتقد انه تواتر الاضرابات العمالية، وقريبا المهنية، لهو شئ ايجابي، ويجب المشاركة فيه وتوسيع دائرة التضامن الاجتماعي معه من قبل قوى اجتماعية وافراد ناشطين في البلد. ليس بالقرار السهل ان يقرر عمال اوموظفين في مؤسسة تنظيم اضراب اوحتى المشاركة فيه، انها تجربة عميقة وعادة الخيار الاخير، يجب استنباط العبر من التحركات، فالقائمون والمشاركون بها لهم الكثير مما يقولوه، عادة هاي الناس وكون خياراتها محدودة جدا، بتفكر بظروفها بمسؤولية وتركيز عال، وبدون الكلاشيهات السابقة، يعني العلاقة معهم عبارة عن تجربة غنية جدا سياسة وممارسة.

كذلك المساعدة في ربط هذه التحركات في القطاعات الانتاجية والخدمية المترابطة ، هذا شرط مهم في نجاحها. المهم هو ان نحافط على زخم هذه التحركات ومراكمتها وتعميم مكتسباتها على مستوى القطاعات الاخرى.

هذا النضال من الممكن ان " يعمم " ويمارس في الاحياء وفي القرى والضواحي والمدن والمخيمات ، في اماكن العمل والدراسة.. من اجل خدمات افضل، ومن اجل ان ينخرط اوسع قطاع من الناس في البلد في انتزاع مساحة اكبر لهم في الحراك العام، وفي تقرير كيفية توزيع الدخل الوطني بما يعزز انتزاع اكبر قدر من المكاسب المعاشية والديمقراطية لصالح الفئات المسحوقة والمتضررة والايل مستواها الاجتماعي للتراجع. هكذا نضع السياسة النيوليبرالية واي سياسة اقتصادية امام التحدي الاساس وهو مصلحة المواطنين ولقمة عيشهم وكرامتهم وتعليمهم وتعليم ابنائهم. هذه هو المحك وليس شهادة حسن السلوك من البنك الدولي اوارقام النمو اللي معبية الدفاتر بس منفضة جيوب الناس وتحويشة اعمارهم.

* المسالة الثانية، وليس بهدف الترتيب، والتي في غاية الاهمية ايضا هي قضية المرأة في الاردن. هذا الموضوع لا يلقى اي جدية من اليسار والقوى السياسية عموما. هناك اتفاقيات دولية وقعت عليها الاردن يجب ترجمتها لقوانين تحمي حقوق المرأة بدون انتقاص، هناك عمل تثقيفي وسياسي وتنظيمي واسع حول هذه الحقوق واولويتها بالعلاقة مع اي مسألة اخرى. فالمسالة لن تحل بالقوانين فقط. انزلوا وزورا المحاكم الشرعية وشوف شو صاير.

التعبيرات الاجتماعية والنضالية التي تقوم بها النساء في الاردن وينتزعن مساحة لهن باتت واضحة ومنتشرة اكثر فاكثر. ايننا من ذلك؟ وكيف نفهمه ونرتقي للتضحيات والاعجاز الذي تقدمه المرأة في بلدنا على كافة المستويات؟ واين نحن من وقف هذا الظلم التاريخي بحق المرأة وبحق مجتمعاتنا ككل؟ هذه مسألة ممكنة بقدر ما هي ملحة وبها يمكن ان نبدأ ونمضي.

هذه القضايا لا يمكن تحقيقها وضمانها بشكل فردي، وحتى بشكل جماعي قد بات صعبة ومعقدة في بلادنا نتيجة التفتيت الذي احدثته السياسة النيوليبرالية وما تفرضة من ضرورة تغيير اساليب العمل النضالي المطلبي والسياسي وشعاراته. الاجوبة ليست سهلة اوسحرية.. لكن لا ارى بديلا عن ان نبدأ.

* هناك عنوانين للنقاش السياسي فيما يخص طبيعة الاردن ومستقبله السياسي. على هذا الصعيد من المهم للحركة الوطنية الديمقراطية، ولليسار تحديدا اذا اردت واراد ان يكون في الاردن، ان يلفظ من بين صفوفة تلك العلقة المسماة ناهض حتر. ان طروحاته ذات الجوهر الاقليمي هي اخطر شئ على الاردن ومواطنيه سواء امام اي تدخل خارجي، اومن اجل مواجهة تداعيات السياسة الاقتصادية النيوليبرالية. فلا يمكن ان يتم ذلك واكثر من نصف الشعب في الاردن مهمش، والنصف الاخر بحّنش فيه ويصادر له اي موقف اجتماعي اوسياسي سلفا، اوهكذا يعتقدون اصحاب هذا التيار. لا يمكن الدفاع عن البلد امام اي شئ ضمن ظروف هذا الانقسام العمودي الذي يدعو له ناهض ومشايعيه. وتبعات هذا التوتير الاقليمي في الاردن دفعنا ثمنها ودفع ثمنها الشعب الفلسطيني والمنطقة العربية برمتها ولايزال. انها سياسة مبنية على الخوف والتخوين، وهذه لا يمكن ان تكون منطلقات لاستراتيجية صائبة لخدمة مجتمعاتنا، ولا حتى لموقف سياسي حميد. واقول هذا ناهض وضد الابواق الصفراء التي تنعب على جانبي هذا الاستقطاب الحاصل.


ينطلق ناهض حتر من تحليله عن السياسة النيوليبرالية بتشدق مدع "للجذرية،" ولا يلبث ان يقولبها في خلط عجيب للاسباب والمسببات بالنتائج الوهمي منها والذي يعممه هو بدون اي محتوى طبقي اواجتماعي، فتبدو الليبرالية عنده في النهاية وكأنها صنيعة الاردنيين من اصول فلسطينية. ولكي تكمل جذريته الفارغة هذه دورتها الخرائية يعود وفي نفس المقال ليعقد الامل على ليس على احد سوى الملك - ليس الشعب مثلا اوجزء منه! - للخروج من المأزق ذاته الذي خلقه هذا الاخير وانتفع به ولا يزال؟! اي هراء واكل خراء هذا؟

وهو ينطلق من الخوف والتخويف من "التوطين،" ان من بدا بالتوطين عام 1950 معروف - انا شخصيا مع وحدة على حانبي النهر بوسائل سلمية وفي كيان ديمقراطية جمهوري، وعلى قاعدة دستور تضعه جمعية تأسيسية منتخبة انتخاب مباشر من الشعب - لكن الحكم تاريخيا فرض الوحدة قصريا، الى ان تم اتخاذ قرار " فك الارتباط " عام 1988 -- القرار لم يمر بالقنوات الدستورية المعهودة لغاية الان، كما ان اسرائيل في اتفاقية وادي عربة ضمنت للحكم في الاردن نوع من الوصاية على الاماكن المقدسة في الضفة، واعترض عرفات متفاجئا وقتها ولكن لملموا الطابق؟ هذا يضع اسئلة كبيرة على "فك الارتباط" هذا -- بهدف الضغط على الانتفاضة الفلسطينية ومحاصرتها ولكي لا تمتد للاردن. وقد ترافق ذلك وسبقه في وقتها حملة تعبئة اقليمية مسعورة من قبل كل اجهزة الحكم لم تكسر حدتها سوى انتفاضة نيسان في الاردن بعدها بعام تقريبا.

ان اي حركة سياسية تبنى على مثل هذه الطروحات - طروحات ناهض حتر- هي حركة مجهضة سلفا، وفي خدمة انزال من يكونون الشرّ لبلدنا ومنطقتنا العربية، ناهيك عن كونها في صدام مباشر مع اي طرح ديمقراطي. ان الحقوق السياسية والديمقراطية والاجتماعية المتساوية، والحق بالعيش الكريم، هو حق ومطلب اساسي للجميع في الاردن.

يبقى الحديث عن خيبة الخيبات - الحركة الاسلامية بشكل الاخوان المسلمين وحزبهم- الله لا يخسّر. في السجالات القادمة.

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

I am following your logic, it does not make since to me, do you really not agree with Nahid Hattar? that seems quite out there.