هذا الانتفاضات لم تكن هبة وزبعة في فنجان بل فرضت على الحكم مجموعة من الاجراءات الانفتاحية - ولو المؤقتة - تجاه الحريات العامة في المجتمع. هذا تم في كل البلدان المذكورة سابقا وإن على مستويات مختلفة. ولكن سرعان ما لجأت تلك الانظمة للالتفاف على هذه الحقوق بالجملة والمفرق سواء على الصعيد السياسي اوالاقتصادي. التفاف هيئته ظروف سياسية في المنطقة اهمها سقوط الحركة السياسية الصاعدة تحت انقاض اوهامها المبالغ بها على نظام الديكتاتور صدام وقدراته المزعومة على الوقوف بوجه الهجمة الاميريكية في المنطقة وازملامها. ثم انهيار الاتحاد السوفيتي وتأثيره على قطاع هام من اليسار العربي بميوله الستاليني المهيمن - هذه ظاهرة اقل انتشارا في صفوف اليسار المغاربي. - ثم انخراط جناح التسوية العرفاتي في مشروع اوسلو وعلى المكشوف عام 1993 - يسألني احد الاصدقاء العاملين في السلطة وفي حيرة صادقة: "هي اميريكا صديق والا عدو؟" يعني منيح اللي سأل..-
تحت هذه الظروف السياسية المتراجعة والمترافقة مع هيمنة امريكية غير مسبوقة إن لم يكن مرحب بها من قبل الحكام العرب وعلى المكشوف ضمن الشروط الامريكية وعلى قاعدة "اخدمني وانا سيدك." كان ما يعد اقتصاديا من قبل هؤلاء الحكام انفسهم لفئات واسعة من الشعب..فئات انسحبت اوانكفأت من الفضاء السياسي محبطة ومرتبكة احيانا تطلق صرخات شجاعة لكن متفردة احيانا اخرى، كان ما يعد هو سياسة كل من ايده اله، واللهم نفسي.. سياسة مدارس ما يسمى بالـ"خيار العقلاني" لمدرسة تشيكاغو الاقتصادية الامريكية اوما بات يعرف بالسياسة الاقتصادية النيوليبرالية. سياسة كل شئ له سعر وقابل للتداول في السوق. سياسة اقتحام السوق لكل مناحي حياة البشر. وان السوق هو الاكثر كفائة على ادارة الاقتصاد والتطور والنمو. هذه النظرة التعميمية الحمقاء رفعت لمستوى ايديولوجيا بديلة ومنتصرة بعد انهيار جدار برلين. سادت في اوساط صناعة القرار السياسي والاقتصادي والتي تعد تسطيح مبتذل لما كتبه آدم سميث واختصاره بعبارة واحدة عن "اليد الحفية" للسوق. لم يكن رأسمال آدم سميث - برغم ما كال هذا الاخير له من نقد وتفنيد نظري اقتصادي واخلاقي - بعد قد هيمن بسوقه على كل مناحي الحياة كما هو اليوم. كان الاقطاع والطبقة الفلاحية والريف على مستوى محلي وعالمي يحوي غالبية البشر واكثرهم طاقة انتاجية من راسمال. ولم يكن عندها قد شهد اي من ازمات الرأسمالية المعممة وأثرها على البشر ومستويات معيشتهم واستغلالهم المعمم. لم يكن بعد قد شهد فظائع الرأسمالية والاستعمار وحروبها العالمية.. اي يد خفية قاتلة ومجرمة هذه التي تحدث عنها؟
وعودة الى تونس والمنطقة العربية. ها نحن نشهد مرحلة بطولية جديدة في منطقتنا في مواجهة جزارين وفاسدين ومدعين وحكام سفلة. ان دم ابن تونس هو على وسع خارطة المنطقة والعالم. هذه التضحيات البطولية الهائلة من عشرات الضحايا في نضال مطلبي انساني هو صفحة جديدة في تاريخ منطقتنا. هذه الجدية في النضال، هذا الوضوح في الرؤيا من قبل هذه الجماهير الواسعة - الملك عار.. ليس هناك ما ينسج!
ها نحن نرى اصداء هذه الانتفاضة الجبارة في عمان اليوم. لن يغيب عن ذهن هذه الحكومات الجبانة ما يحدث. وهي ليست بحاجة للدخول في تجربة. لذلك استبقت انتشار هذه الثورة المتفجرة في تونس الى عمان وشوارغ الادن عامة بحزمة اقتصادية "للتخفيف عن معاناة الناس" مرفقة بحملة علاقات عامة وحرب نفسية اكثر منها كلفة لاحتواء تداعيات الانفجار القادم. وهم الذين حتى الاسبوع الفائت يفاخرون ومن خلال وزير المالية بانهم قللوا الانفاق بشكل غير مسبوق. واخرجوا برلمان على شاكلتهم وبدون اي حس بالمسؤولية.
انا لا اعتقد ان الناس سترضى بالفتات، الناس بحاجة لاستعادة بلدها ونفض السياسة الاقتصادية الليبرالية عن كاهلها وتجريمها بما اقترفت واقترف سدنتها ومدعيها.
عاشت تونس والامة العربية وليسقط الديكتاتور سفاح تونس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق