قد يكون من الطبيعي الطبيعي لحماس أن تسعى للحصول على أسلحة وتوصيلها للداخل، لكن هل هي معنيّة بإستهداف أي من المسؤولين الأردنيين؟ لا اعتقد ذلك، وإن كان الأمر كذلك فهل هي بحاجة للذهاب لدمشق من اجل هذا الهدف؟ هل هي بالفعل بحاجة لنقل الأسلحة من هناك لتستهدف المسؤولين الأردنيين على حد زعم الناطق الرسمي؟
والسؤال الأهم هو: ما هي مصلحة الأردن في أن يزج في المعادلة الفلسطينية على هذا النحو؟ ويبدو منذ البداية أن هذه الخطوة -التوجه - في الأردن كانت مدروسة مع رئيس السلطة الفلسطينية الذي هب لإنقاذ رواية الجانب الأردني واستثمارها بدوره مؤكدا على هول ما كشفه له مدير المخابرات الذهبي من معلومات خطيرة على حد زعمه. وحماس لا زالت تنفي بالمطلق أي تورط لها في مثل هذا الأمر وعلى أي مستوى. ه
مرّة أخرى، ما أبعاد هذا التحالف بين الحكم في الأردن ورئيس واجهزة السلطة الفلسطينية؟ ماهي المخاطر التي يحملها؟ صحيح القصة كلها مش راكبة وغير صالحة للتسويق .. لكن ثمة اصرار على تعزيزها برواية أخرى من نفس العيار كما حدث في الأمس. من الواضح أن هذا التحالف ينظر إلى فشل حماس الحتمي في إدارة الحكومة الفلسطينية، وهوبذلك يرى من خلال ذلك فشل مشروع المقاومة الفلسطينية في الصورة التي مارسته حماس فيها طوال 15 سنة الأخيرة، وباعتبارها الأبرز والأكثر جماهيرية بين التيارات الرافضة لإسلو. فالحكم في الأردن الذي وضع نفسه في علاقة استراتيجية مع الولايات المتحدة الأميريكية سواء في عدوانها على العراق اوفلسطين والمنطقة العربية برمتها، أو تعاونهما الدولي على كافة المستويات أهمها ما يسمى بقوات حفظ السلام الدولية المنتشرة في العديد من بقاع العالم من هاييتي إلى افريقا إلى اندونيسيا ويوغسلافيا وغيرها. فقد مثّل نجاح حماس الساحق في الإنتخابات الفلسطينية جنبا إلى جنب مع نجاح التيارات الشيعية القريبة من إيران في العراق - والتي هي نفسها التي طالبت في الإنتخابات امام رفض وتعنت الأدارة الأميريكية ورغبتها بتعيين الحكومة من خلال كولسات مناطقية تهمش من خلالها التيارات المعارضة لها وتحد من شرعية واستقلالية أي حكومة قادمة في العراق ريثما يتم لها ترتيب اوضاعها هناك وفي المنطقة ككل كما تشاء وللمستقبل المنظور - المهم أن قرار الشعب الفلسطيني في إنتخاب حماس شكل ضربة اخرى للمشروع الأمريكي الذي يتبناه عباس لتسوية القضية الفلسطينية، وهو ذات المشروع الذي حاول الحكم الأردني أن يتناغم معه من خلال ما طرحه على مؤتمر قمة الجزائر في آذار 2005 والذي رُفض وقتها، مشكلا نكسة "للدبلوماسية الأردنية" آنئذ. وصاحب هذه الأزمة تعالي اصوات الحركة الإسلامية في الأردن المطالبة بإنتخابات ديمقراطية وتداول للسلطة - عنوا بها تداول للحكومة من خلال تشكيلها من الشعب وليس تعيينا من قبل الملك - وأنتهى الأمر بتغيير الوزارة والإتيان بوزارة بدران. ه
وزارة بدران كما توقعت حينها جاءت لترتيب التراجع الأردني عن الحماس المكشوف "للهرولة" بإتجاه التطبيع مع اسرائيل والمشروع الأميريكي في المنطقة. وأيضا لتهدئة الأمر مع الحركة الإسلامية حيث عرفت عائلة بدران بقربها من هذا التيار منذ أيام دعم الأردن لتيار الإخوان المسلمين في صراعهم ضد نظام حافظ الأسد في سوريا.ه
لقد تمت محاولة الإلتفاف على دعوات بوش للديمقراطية في العالم العربي - إنتهت هذه الدعوات في الوقت الحالي ولم يعد بوش يطرحها، والعوض بسلامتكو - وعلى مستوى الأردن من خلال زوبعة البرلمان و"طولة البال" بدران معهم، "واضطره" يعني لتقديم تنازل ما إله أي قيمة فعلية لأن برنامج باسم عوض الله مشى على أية حال بيه وببلاه، وهيوه عاد مستشارا للملك! أيضا تم الإلتفات على موضوع الديمقراطية من خلال ملهوة الأجندة الوطنية. ه
وفي نفس الفترة كان رئيس الوزراء الحالي (البخيت) سفيرا لإسرائيل، كان يرى بأم عينيه نفور الجماهير الفلسطينية من السلطة وانحيازها المتواصل لتيار حماس، بالطبع ما كان مبسوطا خصوصا وأن تيارحماس ليس بعيدا عن تيارالحركة الاسلامية في الأردن وجماهيريته المتصاعدة، كما وأن التياران ينهلان من قواعد اجتماعية متشابهة وتحديدا مخيمات اللاجئين الفلسطينيين المنتشرة في الأردن وغزة والضفة الغربية. من جهة أخرى فإن التقدم الذي احرزه تيار الأخوان المسلمين في مصر، واحتمال تقدم مشابه على الساحة الفلسطينية سوف يكون له تبعات لا يمكن التنبؤ بها على صعيد معنويات التيار الإسلامي في الأردن وسقف مطالبه. كل هذا كان على ما يبدو في القصر قبل الإنتخابات الفلسطينية في كانون ثاني الماضي. وبالتالي فإن الإجراءات بعيدة المدى التي عمدت وتعمد اجهزة الحكم في الأردن على اتخاذها لإحتواء التيار الإسلامي السلفي - منع القاء الخطب في الجوامع اواستخدامها من قبل هذا التيار وعناصرة، تفعيل وتشديد قوانين الجمعيات الخيرية ومحاولة ربطها تحت مظلة واحدة تتحكم فيها الدولة مباشرة، تغيير المناهج ووضع وزير بخلفيات ليبرالية على وزارة التربية، الهجوم المتواصل على النقابات المهنية ومعاقل الحركة، استمرار ملاحقة وسجن النشطاء من التيار، ...وغيره - كل هذا لايكفي بل بات المطلوبا توجيه ضربة قمعية للحركة الإسلامية وهزيمتها سياسيا، لكن كيف؟ وما هي الكلفة؟
وكان رأي الأردن أن تقوم السلطة الفلسطينية - عبّاس - بإحتواء حماس امنيّا وقد عرض الأردن آنئذ على السلطة الفلسطينية أن يدخل 2000- 3000 من قوات جيش التحرير الفلسطيني -بدر المرابطة في الأردن لهذا الغرض إلى اراضي السلطة الفلسطينية "لتعزيز هيبتها" آنئذ، وقد باشر الأردن منذ بدايات 2005 بفتح باب التجنيد من جديد لهذه القوات. اسرائيل هي التي رفضت ذلك، إضافة إلى أن عباس ذاته كان لايملك بعد تلك الشرعية والكريزماتية اللازمة لمثل هذا الخطوة، خصوصا وأنه كان يعاني من أزمة سيطرة حتى داخل فتح واجهزتها الأمنية ومليشياتها المستقلة والمقاومة.ه
اختلف الأمر بعد تفجيرات الفنادق في عمّان يوم 9 تشرين الثاني . وعلى ما يبدو فقد قرر الحكم استثمار هذا العمل الإرهابي للتحرك بوضوح ضد تيار الإسلام السياسي في الأردن والمنطقة بكافة اشكاله. فجاءت حكومة البخيت في آواخر تشرين الثاني في خضم الإعداد للإنتخابات الفلسطينية التي سوف تشارك حماس بها لآول مرّة. فوز حماس الساحق، والرفض الأميريكي - الإسرائيلي الحاسم والمباشر لنتائج الإنتخابات الفلسطينية والحصار المتواصل على الشعب الفلسطيني اعطى إشارة الإنطلاق لخيار المواجهة، والعسكرية إذا اضطر الأمر. واعني به هنا خيار المواجهة مع تيار حماس، ومع ما تمثله كتيار مقاوم مسلح ومهيمن في هذه المرحلة، والعمل على تكبيده هزيمة سياسية لا يقوى على النهوض منها. ومن شأن مثل الهزيمة إذا تمت أن تضاعف بمرات مردود إجراءات قمع واحتواء التيار السلفي في الأردن آنفة الذكر، وبكلفة أقل خصوصا وأن هناك الآن فرصة كبيرة لأن تتم بغطاء ومبادرة فلسطينية مثلما تم بالأمس تمرير اتفاقية وادي عربة بغطاء اوسلو وبأقل كلفة سياسية ممكنة للقصر في الأردن. ه
ولقد لاحظنا كيف جاء الردّ الإسرائيلي على العملية الإنتحارية الأخيرة في تل أبيب محسوبا: فالبرغم من أنها تقوم بحصار وتجويع يومي للفلسطينين، وقصف متواصل -500 قذيفة على غزة يوميا - إلا ان ردّها - واقول هذا ليس بهدف التقليل منه مهما كان - لم يكن باجتياح غزة، أوالضفة كما كان يتم ذلك مع عرفات ومحاصرة المقاطعة أوما شابه، بل من خلال اعتقالات محدودة في نابلس، تبعه الغاء هويات القدس لثلاثة من مرشحي حماس في القدس. يعني تصرّف محسوب ومحدود مقارنة مع ما كان يحدث أيام عرفات، وهذه حماس الإرهابية في الحكم والتي لم تدين العملية، بينما عرفات كان يدين؟! وبإعتقادي أنها لو قامت بإجتياح المناطق كما حدث في السابق لآنقذت حماس من أزمتها وزادت من تلاحم الشارع الفلسطيني معها، مع مخاطر استفزاز الشارع العربي بما يعني ذلك من خلخلة الحصار العربي الذي تقرّة الأنظمة العربية على الشعب الفلسطيني بدون معارضة تذكر - أذكر في السابق ان المظاهرات كانت تطالب بفتح الجبهات مش بس بتهريب سلاح ومخابي لحماس فيها كم كلاشن وشوية غراض - الخطورة هنا على ما يبدو هي أن اسرائيل لاتريد أن تفسد اجواء التوتر الحاصلة بين قوات ومليشيا الرئيس عباس وبين عناصر حماس، إن أي هجوم واجتياح من النوع الذي كان يتم في السابق كان سيساهم في كسر حدة التوتر الفلسطيني - الفلسطيني وفي اضعاف قدرة عباس على تجهيز قواه عسكريا ومعنويا للمواجهة المفترضة مع حماس.ه
وها هو عباس الذي يطالب بنبذ العنف يجمع الأموال ليس لمساندة اللاعنف رفع معاناة الشعب الفلسطيني بل لزيادة قوات الحرس الرئاسي؟ وفي خطوة فيها مؤشرات على امساكه بزمام الأمور واحكام سيطرته اجرى تبدلات في العديد من المناصب الهامة في الرئاسة واستغنى عن الجبور. ناهيك عن رفضه أي تعيين أومساس في صلاحياته من قبل حكومة حماس، حيث عادت وتضخمت صلاحيات الرئاسة وبالذات الأمنية بعد الإنتخابات الأخيرة. وبعد أن كانت قد تضاءلت في السابق بفعل ضغط الأميريكان أبان استحداث منصب رئيس الوزراء الفلسطيني الذي جرى تفصيلة آنئذ على قدر عباس تحديدا وفي مواجهة الرئيس عرفات! ه
إن الإعداد لمثل هذه المواجهة وتحت الرعاية الأميريكية يحمل العديد من المخاطر، ولن تجلب للمتحمسين لها أي من المنافع. إنها استراتيجية تدميرية لن تجلب سوى الخراب لفلسطين والأردن معا. إن تحمل مخاطر الترانسفير الفلسطيني الفلسطيني، إنها تحمل فشل مشروع الدولتين لشعبين، فإي دولة هذه التي يمكن أن توجد تحت تحكم اسرائيل وتواطؤ دول الجوار؟ إنه سؤال عن استراتيجيات المقاومة القادمة في فلسطين والأردن وفي داخل الدولة الصهيونية. ه