: التحليل السياسي لما بعد الحدث
هشام البستاني*
خمدت الحرائق، ودفنا اصدقاء واحباء واخوان، وذرفنا دمعا ساخنا على فراق شباب وصبايا، رجال ونساء، اطفال وشيوخ، لم يكونوا يوما في "معسكر العدو"، ولا كانوا جزءا من المشروع الامبريالي/الصهيوني، ولا كانوا جزءا من تطبيع الاحتلالين الامريكي والصهيوني وافرازاتهما، ولا جزءا من انظمة تواطئت على امتها واوغلت في النقيض القطري والمناقض لابجديات وجودنا كأمة...
كانوا ناسا عاديين...عاديين جدا، تصادفهم في الشارع والدكان، تبثهم همومك فيفهموك لانهم مثلك، مثلنا. ناس عاديون من اولئك الذين نناضل من اجلهم ونناضل معهم. وان لم يكن النضال من اجل الناس العاديين فلمن يكون؟ وان كان النضال هو من اجل قتل الناس العاديين ما عاد نضالا بل لبنة في جدار اعداء الناس الذين نعرفهم جيدا منذ بدايات القرن العشرين، مرورا باغتصاب جنوب غرب سورية (فلسطين)، وحتى اغتصاب العراق واللهاث المخزي خلف الامريكيين والصهاينة عبر خلع ما تبقى من كرامة وعروبة ومصالح الشعب.
عندما تستعرض قوائم الشهداء وقصصهم، يتأكد لك حجم الجرح/الحلم العربي الرابض في عمان: عرس الراديسون جمع شمل اهالي سيلة الظهر الفلسطينية من اربعة ارجاء الوطن: الكويت والاردن وفلسطين وبقية المنافي، واختلط فيها دمهم بدم كركي ما انفك يوما عن امته من نيسان الى الخبز الى انتفاضة الاقصى. وشهداء فندق الحياة سعوديون وبحرينيون واردنيون تسامروا معا في مساء عماني جميل؛ ومخرج سوري حمل العروبة والاسلام على ظهره، وابنته المتزوجة من طرابلسي (في لبنان): جاءا ليحضرا عرس الاصدقاء في الاردن فكان الموت اقرب.
هكذا نحن الشعوب: حياتنا الطبيعية دحض قاطع لكذبة "القطر اولا"...كلنا في الوطن (واقصد الوطن الكبير لا الكانتون المصطنع) اهل واصدقاء ونعرف بعضنا بعضا ونتزوج بعضنا بعضا وذاك ابن عم هذا وهذا صهر ذاك...كما كنا لآلاف السنين قبل ذلك وكما سنكون للآلاف بعدها.
وبعيدا عن "اداة" التفجير الاجرامي، والتي تشير اغلب الدلائل على انها تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، فلا بد لنا ان نحلل الحدث وتداعياته لكي نعرف من هو المستفيد من هكذا جريمة، وعليه، نستعرض تاليا محصلة التفجيرات الاجرامية في عمان:
أ- شهداء وجرحى ليسوا محتلين وغاصبين او اعوانا لهم، ولا قامعين وظالمين، ولا فاسدين ومتاجرين بقوت الشعب وموارده، ويمثل اجتماعهم العفوي في عمان نقيض الكذبة القطرية والتفكيكية التي يجهد في تسويقها في المنطقة الامريكان والاسرائيليون (اردني/فلسطيني، سوري/لبناني، شيعي/سني، عربي/كردي/تركماني/آشوري/ كلداني/درزي، مسلم/مسيحي-قبطي، عراقي/عربي(اجنبي!)....الى آخر هذا الموشح).
ب- تجييش الشارع الاردني تحت لواء المشروع القطري المسمى "الاردن اولا" واركانه وافرازاته وابعاده المختلفة. وضخ زخم جديد فيما يسمى "الهوية القطرية الاردنية" بالتوازي مع تضخيم الهويات القطرية في بلدان المنطقة (تضخيم "الهوية القطرية اللبنانية" بعد اغتيال الحريري، تضخيم "الهوية القطرية العراقية" بعد الاحتلال الامريكي....). وكما كانت صناعة "الهوية القطرية" للاقطار التي خربشها الاستعمار البريطاني/الفرنسي على خريطة اتفاقية سايكس-بيكو مقدمة لمسح الهوية العربية ومشروعها المتمثل بالتحرر والوحدة وسيادة الشعب على كرامته وارضه وموارده ومستقبله، فالواضح ان تضخيم الهويات القطرية هذه هو مقدمة لتضخيم هويات ادنى منها (العرقية والطائفية والاثنية والجهوية..) كما في امثلة العراق ولبنان، وبالتالي تفكيك وتقسيم ما هو مفكك ومقسم اصلا.
ت- ادخال مصطلح "الارهاب" بالمفهوم الامريكي الى الحياة السياسية الاردنية بشقيها الرسمي والمعارض. والمعروف ان "الارهاب" بالفهم الامريكي هو مصطلح فضفاض وغائم وغير محدد عن قصد، ويتم من خلاله الخلط بين العمليات الاجرامية (مثل تفجيرات عمان) وعمليات المقاومة المسلحة المشروعة؛ وسينعكس ذلك على الحياة السياسية العامة في البلاد من خلال حشر القوى الوطنية المؤيدة للمقاومة العراقية والرافضة للعملية السياسية الجارية الآن في ظل الاحتلال والافرازات السياسية للاحتلال في زاوية "داعمي الارهاب" و"المحرضين" عليه، وتعرضهم بالتالي الى قمع ربما سيكون غير مسبوق، خاصة مع توقيع اتفاقيات امنية مؤخرا بين الحكومة الاردنية والحكومة العراقية المشكلة في ظل الاحتلال وتحت سيادته. وربما سيطال هذا القمع ايضا الموقف المؤيد للمقاومة الفلسطينية المسلحة والعمليات الاستشهادية ضد الكيان الصهيوني.
ث- الاغفال الكامل للارهابيين الحقيقيين في المنطقة، وهم الاحتلالين الامريكي والصهيوني (وقبلهما الاستعمار الانجليزي والفرنسي)، والفظائع التي يرتكبونها محليا وعالميا وبشكل لم يعد يستوعبه عقل (معتقلات سرية، ترحيل معتقلين الى دول اخرى للتعذيب، الحرمان من التمثيل القانوني، الحرمان من الاتهام والعرض امام محكمة، المحاكمات العسكرية، الاغتيال، محاولة قلب انظمة ديمقراطية (شافيز)، وآلاف الصفحات من الانتهاكات)، واغفال حقيقة ان جميع الحرائق المشتعلة في المنطقة العربية منذ بدايات القرن العشرين وحتى الآن هي نتيجة مباشرة لهذه الاحتلالات. بل ان الحرائق التي احتدت في العراق والسعودية وسوريا ومصر ولبنان منذ ثلاث سنوات، لم تشتعل الا بعد ان وصل الى منطقتنا راعي "الديمقراطية" و"الحرية" وناشر "السلام" و"الرخاء": واعني بذلك جيش الولايات المتحدة ومخابراتها ومن لف لفها.
هكذا نرى ان المحصلة السياسية لهذه التفجيرات الاجرامية تصب في خانة ترسيخ التفكيك، وترسيخ ما تم العمل عليه لسنوات فيما يتعلق بالهوية القطرية، واستهداف الناس العاديين يجعل من موضوع تسويق هذه المشاريع والهويات، وتسويق المفهوم الامريكي/الصهيوني للارهاب امرا في متناول اليد، ويضع المزيد من القيود والضغوط والتهديدات على مقاومي التطبيع مع العملية السياسية التفكيكية التابعة للاحتلال الامريكي في العراق والرافضين لأي حل سياسي تحت رايته، ويجعل من مؤيدي المقاومة العراقية هدفا للملاحقة بحجة "دعم الارهاب" او "التحريض عليه"، وربما سينسحب هذا على مقاومي التطبيع مع العدو الصهيوني.
أخيرا نقول: ندين التفجيرات الاجرامية في عمان، ونرى ان محصلتها السياسية هي في مصلحة اعداء المشروع التحرري العربي، ولن نسقط في فخ الولايات المتحدة والكيان الصهيوني من خلال تبني مفهومهما للارهاب. ولن نفقد البوصلة التي تشير الى ان الاحتلالين الامريكي والصهيوني هما الارهاب وان مقاومتهما امر مشروع بكافة المقاييس.
* كاتب وناشط في قضايا المقاطعة ومناهضة العولمة، عضو لجنة مقاومة التطبيع النقابية في الاردن.
هناك تعليق واحد:
**غرب سويا اصبحت فلسطين... صارت فلسطين جزء صغير من سوريا ... يالك من وقح مثير للاشمئزاز هل اصبحت فلسطين المعروف تاريخيا ماهي فلسطين هل اصبحت غرب سوريا ... ان فلسطن اعتبرت دائما ارضا منفصلة عن بلاد الشام ولو رجعت للخائط القديمة لوجدت ان سوريا-الاردن-لبنان كلها تعتبر بلاد الشام اما فلسطين فهي فلسطين ايها الاحمق.
**بقية المنفى ... استغرب كيف تجرء ان تمسك قلما وان تكتب فا كان ها خطأ تعبيريا فالمشكلة عويصة فمثل يجب ا بعود للابتدائية ليتعلم مرادفات اخرى لكلمة تهجير (المهجر) وليس المنفى !
اما اذا كان قصدا فهذا ان دل على شيء فانما يدل على معدنك الرخيص ... لاتعليق اكثر من ذلك لانك لاتستحك اكثر !
إرسال تعليق