" والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. خادمكم الامين معروف البخيت.ه""
بهذه الكلمات أنهى البخيت رده على تكليف الملك له برئاسة الحكومة. الحكومة التي أريد بها أن تهتم بالمسألة الأمنية ضد من يبرر للإرهاب إلى جانب "المحافظة على الحريَات" ..أية حريًات؟!ه
على ما يبدو أنها ولادة خداج، كان من المتوقع للقصر أن يقدم على تغيرات اكثر فضاضة لمواجهة ليس فقط " الإرهاب" بل "الإسلام والسلفيين" بشكل عام، فما أن وصل عمان حتى قام بإحالة 11 من كبار موظفي ديوانه على التقاعد، وجئ بالبخيت من تل أبيب لتولي منصب مدير مجلس الأمن القومي ليخلف خير. و كان من المحتمل للملك أن يتبع ذلك بحكومة ذات غالبية عسكرية وتوجه أمني ذو كثافة أعلى مما تمخض
على ما يبدو أنه كان في القصر تجاذبا بين أكثر من راي على هذا الصعيد. نتبين منهما محور اساسي بين تصعيد قمعي موجًه لنفوذ الحركات السلفية عموما اشخاصا وخطابا ومساحة تعبير ومؤسسات بهدف تحجيمها وكسرمصداقيتها في الشارع بحجة مخاطر البعد "الجهادي" منها وقد كان هذا الرأي رائجا في الأيام الأولى بعد 9\11. والآخر هو مع استمرار القمع متدني الكثافة بدون فتح الباب على صراع واسع وغير محسوب مع قوة رئيسية في الشارع قد لايتم حسمه بالسهولة المتوقعة ويهدد كامل استقرار البلد ويغذي عدمحالة عدم الإستقرار التي تلف المنطقة، كذلك فكون أن القائمين على التفجيرات هم عراقيون جاؤوا من خارج الأردن، وبالتالي فإن دعاوى مهاجمة التيار الديني السلفي المحلي وتصعيد حملة القمع ضده في الأردن فقدت الكثير من زخمها بإفتقادها لأهم مبرارتها المباشرة وهو ضلوع "جهاديين " من الأردن في تنفيذها. وتتبين هذه الأنعطافة من متابعة ما جري التعبير عنه في الأيام الأولي بعد 11\9 إذ وصلت حدة التصريحات الرسمية من قبل الملك تحديدا الذروة في هذا الإتجاه عندما صرح لجريدة الفاننشال تايمز بأن " المشكلة ليست في الولايات المتحدة الأميريكية أوالسعودية أوالأردن بل في داخل الإسلام.." في إشارة واضحة إلى المنظور الذي يرى من خلاله للمسألة ومن ستطاله يد القمع والتحريم، ليعود فينفي تصريحه لاحقاً. ومن تلك اللحظة بدأت الغلبة للمنطق الآخر في القصر بالرغم من إستمرار محاولات بعض الأجنحة البحث عن خيوط محلية متورطة على مستوى أو آخر في التفجيرات. إنتصر المنطق الذي يحبذ استخدام قمع ذو كثافة متدنية وعدم التصعيد وبالذات عدم اللجؤ لمواجهة واسعة مع التيارات الدينية السلفية بكامل أطيافها . واستخدام الرصيد السياسي المتوفر للقصر في مناحي أخرى بهدف دفع برنامجه "الإصلاحي" وتمرير التصعيد الأمني القمعي من خلال تمرير تشريعات جديدة على طريق ما صار يعرف بدسترة القوانين العرفية في الأردن .ه
المسألة الأخرى والهامة في تغليب التوجه الآخر في رأيي هي في الظروف المحيطة في المنطقة، وتحديدا أن الإدارة الأميريكية لا ترغب في التعامل مع أزمة جديدة في الأردن، ليس معروف تداعياتها، وتظهر بها عالميا وكأن الوضع في العراق بات خارج السيطرة ومصدرا للإرهاب والأزمات في المنطقة. فتضخم شعبية الملك نتيجة للتفجيرات لا يعدو ضمانة لحسم عاجل إذا ما وضعت على المحك، إذ أن تداعيات مثل هذه الأزمة لايمكن التنبؤ بها، لذلك فهي تفضل حلاً امنيا ذو كثافة متدنية في المرحلة الحالية، خصوصا وأن الحكم قد قطع اشواطا في ذلك لغاية الآن ولا داعي لحرق اطبخة
معظم المعلقين الأميريكيين كانوا يميلون بهذا الإتجاه حتى أكثرهم محافظة في مركز الدراسات الإستراتيجية الأميريكي قلل من اهمية هذه التفجيرات واصفا إياها بأنها لاتشكل نمطا.
من جهة أخرى فإن الإدارة الأميريكية حاليا تنحو منحا متمايزا تجاه التيارات الإسلامية على صنوفها، وتحاول التفريق بينها بحسب سياسياً، والكيفية التي تعامت فيها مع انتخابات البرلمان المصرية مثال على ذلك وصعود حصة الأخوان المسلمين فيها، كذلك غض النظر الحاصل عن حماس في الإنتخابات الفلسطينية القادمة. الأمثلة الأهم للتيارات الليبرالية التي يعلق بعضها أوهاما على تدخل الإدارة الأميريكية لـ"نشر الديمقراطية" اوما شابه من هذه الصيغ المتداولة هوما تبينه علاقة الولايات المتحدة الأميريكية الإستراتيجية مع نظام حكم آل سعود،
من هنا، قام الملك بإنعطافته، وعاد وعين البخيت الذي كان بمتناول يده بعد توليه بأيام مدير مجلس الأمن القومي، وشكلت الوزارة التي باتت معروفة للجميع الآن. التغييرالأهم فيها هو استبدال وزير المالية من تكنوقراط من لدن البيروقراط الأردني بأحد مدراء المؤسسات المالية الخاصة في البلد والذي سبق وأن تبوأ مناصب حكومية في السابق (زياد فريز) وذك لتطمين قطاع المال والأستثمار والمضاربات في الأردن وإعطائهم دور مباشر في القرار السياسي والمالي، ولذات الغرض تم الإبقاء على سعيد دروزة في وزارة الصحة، وايضا تم تعيين نصار من قطاع السياحة الخاص لوزارة السياحة، إذ أن جزء هام من إدارة الأزمة وتعطيل البلاد في اليوم التالي للتفجيرات، العطلة التي أمتدت من مساء الأربعاء لصباح الأثنين كانت لإمتصاص الأثر النفسي للأزمة وضمان عدم تأثيرها على السوق المالي. تمت خلال هذه الفترة العديد من الإجتماعات والخلوات مع قطاعات من المستثمرين لتطمينهم على مستقبل الحكم واستثماراتهم، ولأن هذه الشريحة \الطبقة لاتأخذ بالكلام والنوايا وحدها، وكون المسائل من العب للجيبة في النهاية كان لابد من تطمينهم ببعض المواقع.
وتم تعيين ابوغيد المقرب من التيار الأسلامي كإشارة أخرى على التطراية لذاك التيار وامتصاص تداعيات الأزمة.
بالطبع، الحكومة الحالية سوف يكون لها حظ أوفر في تجاوز البرلمان، وسوف تمارس السياسة لقمعية ذاتها التي مارستها الحكومات السابقة وبنجاح اكبر نتيجة لأن تفجيرات 11\9 قد وضعت المعارضة في موقع دفاعي، وكان القصر جاهز لخطف زمام المبادرة فأجهزة الحكم وقاعدة الإجتماعية توسعت بل منظمة ومفعلة وتسيطر على حراك الشارع، حتى المظاهرات التي دعت لها المعارضة وبالذات الإسلامية كالعادة طبعا فقد ميعتها بشعار " الوحدة الوطنية" ومحاولات الدفع عن نفسها بمسؤولية ما حدث، بدن مسألة الحكم ونهجه السياسي وتحالفه الإستراتيجي المشين مع الولايات المتحدة الأميركية وعدونها على العراق والمنطقة برمتها، وبدون وضع سياق سياسة الحكم على المحك، كسياسة كارثية إرهابية بعينها، واكثر مخاطرة من ردات الفعل المدانة ذاتها.
الخطورة الآن ان الحكم لايزال يملك زمام المبادرة امام الشارع وباقي القوى الحية، وما إنعطافته الحالية سوى مسألة شكلية أملتها الظروف، وهو مهئ أكثر من الفترة السابقة للمضي ببرنامجه السياسي والأقتصادي ذاته. برنامج إعادة الهيكلة ذاته، والذي من مهماته العاجلة حاليا إخراج قوانين مفرغة من أي محتوى ديمقراطي سواء بالتدخل بقوانين النقابات والجميعات وطرائق عملها وصولا لقوانين الانتخابات البرلمانية والبلديات، اتمنى على القوى والشخصيات الديمقراطية أن تتحرك بالدعوة للقاءات وندوات ولجان شعبية تناقش في كل حي وقرية ومخيم وموقع السياسات المفروضة، وتنظم فعالياتها المستقلة فلا مكان للديمقراطية والحريات في البرامج المعلنه والآليات التي يجري اتباعها والترويج لها من قبل الحكم،