كان لابد من طرح بعض الأسئلة حول التطورات الحاصلة في الأردن. هذه التطورات التي دخلت تحولا استراتيجيا من قبل الحكم لا تراجع عنه في المرحلة المقبلة. إذ يعتبر ما تم من تزوير لإنتخابات ضد مصالح تيار الحركة الأسلامية نقطة فاصلة في تاريخ علاقة النظام الحاكم في الأردن مع الحركة. فلماذا اختارت الحكومة التزوير الآن في الأنتخابات البلدية؟ خصوصا وانها مناصب ليست بالسياسية بحسب محدودية ما تقوم به هذه الهيئات المنتخبة في البلديات من اعمال. ولماذا تضحي الحكومة بسمعتها وتسمح بوضع علامات استفهام على حالة الإستقرار في البلاد في هذا الوقت بالذات ومن خلال هذا التصعيد الحاصل بين الحكومة واعرض تيار سياسي معارض في الأردن؟ وعلى هذا النحو المكشوف؟ ما المكاسب المرجوة والمخاطر التي تعمل الحكومة على درئها؟
سأبدأ في الحقيقة في استشهاد من نص مقال للكاتب جميل النمري، وفيه يصف ومن وجهة نظره، ولكن بدقة كافية ما ترمي إليه الحكومة من وراء هذا التصعيد الأرعن وفي هذا الوقت بالذات - التأكيد من طرفي -:خ
"ولا يترك حديث الرئيس مجالا للشك في نوع الرسالة الموجهة للإخوان؛ لا تساهل ولا مساومة مع النهج السياسي الحالي، ولن تكون الديمقراطية معبرا لهذا الخط لفرض نفسه والحصول على فرص ومكاسب ومواقع. ويبدو أن هذا هو الدرس من تجربة غزّة التي اشار لها الرئيس تلميحا في غير موقع من مقابلته الاستثنائية مع "بترا". ودرهم وقاية مبكرة خير من قنطار علاج متأخر، والترجمة العملية لهذا الخط ليس التخلي عن الانتخابات بل استخدام الادوات المتوافرة في المواجهة الانتخابية دون تهيب أو خوف من الاتهامات بانحياز الدولة وتدخلها. "خ
خ
خلاصة الحديث ان الحكومة اقدمت على ضربة وقائية ضد تيار الحركة الإسلامية. اوسع تيار معارض بامتياز في الأردن. هذه الضربة اوبالإحرى استراتيجية التحجيم التي يتبعها الحكم منذ بداية التسعينات ، بين مد وجزر، وبشكل اساسي ضد تيارالحركة الإسلامية في الأردن. هذه الإستراتيجية صارت "لعبا" على المكشوف خصوصا بالإرتباط مع تطورات الوضع الفلسطيني والإنقسام الحاصل هناك واستحقاقاته، خصوصا وان الأردن اكثر مكان للتواجد الفلسطيني خارج فلسطين المحتلة. وإن اي استحقاق قادم لابد وان تترجم نتائجة على نحو ما اوآخر في الأردن.خ
إن ما حدث في غزة لهو ضربة لسلطة عباس وشرعيتها. لكن يبقى أن اي اتفاق قد تصل له السلطة الفلسطينية مع اسرائيل لن يكون له حظ في النجاح ما لم يوافق عليه الشعب الفلسطيني في جميع اماكن تواجده سواء الضفة اوغزة اوفي الأردن اوفي باقي مناطق تواجده الأخرى - نهر البارد مثالا.
خ
خ
بالنسبة للحكم الأردني فقد صار اكثر ارتهانا بالمشروع الأمريكي في المنطقة خصوصا بعد تأييده ومساعدته للعدوان والإحتلال الأمريكي للعراق، هو ومع ما بات يسمى بـ"قوى الإعتدال العربي ". فاصطفاف الحكم مع المشروع الأمريكي في المنطقة وتنفيذه لإملاءات هذه الأخيرة كان واضحا من خلال مقاطعة الحكم الأردني لحكومة حماس والمشاركة في حصارها. فقد كان الأردن من بين الدول العربية القليلة التي رفضت لغاية الآن استقبال رئيس الوزراء الفلسطيني المنتخب اسماعيل هنية. مفتعلة قضية تهريب الأسلحة عبر الأردن اياها مباشرة بعد تشكيل حكومة حماس الأولى وبعد صدور الإملاءات الأمريكية -الإسرائيلية بمقاطعة هذه الحكومة الفلسطينية المنتخبة.خ
تصعيد الحكم ضد تيار الحركة الإسلامية ياتي ايضا في ظل ازمة المشروع الأمريكي في المنطقة، وفي محاولة من هذه الأخيرة لإنقاذ ما تبقى منه، هوالذي باتت اعمدته تتصدع في كل من فلسطين والعراق ولبنان وغيرها من المواقع مواجهته في المنطقة. خ
بالنسبة للحكم فإن الأولوية الأولى بالنسبة له هو تحجيم عوامل انتقال الإنقسام الحاصل في الساحة الفلسطينية للأردن. إن كون اكبر تيار معارض في الأردن في علاقة شبه متماهية مع تنظيم حماس في فلسطين لهو من اشد المخاطر، وهو من الإسباب التي تقلل هامش مناورة النظام السياسية في علاقته بما يجري في فلسطين. بل إن اي تناغم فاضح مع عباس اواسرائيل اوامريكا باتت اكثر فاكثر صعوبة وبتكلفة سياسية عالية للحكم محليا. وضمن الإنقسام الحاصل فلسطينيا، فإن هيمنة رؤية تيار مثل تيار حماس على الموقف من التطورات الفلسطينية عبر الأردن يهدد بتقليل هامش مناورة الحكم السياسية ودوره الخدمي السياسي على هذا الصعيد، بل يهدد باحتمال انتزاع المبادرة منه شعبيا على هذا الصعيد على الأقل. في نفس الوقت فهو يشكل ضاغطا آخر على عباس وخياراته السياسية وشرعيته في المرحلة المقبلة، اوفي حال تطلب الأمر استفتاء فلسطيني عام على تسوية ما من المحتمل ان يتوصل اليها عباس مع اسرائيل اوهكذا يجري التهيئة له. مثل هذه التطورات تفرض على الحكم ان مسار تصادم استراتيجي مع الحركة الإسلامية شاء ام ابى. وكما اكد صاحب المقال اعلاه تستخدم الحكومة الأدوات المتوفرة بالإنتخابات وبغيرها لمواجهة هذا التيار وتحجيمه. خ
فالحكم يحاول عزلها كما هو واضح، غيّر قانون الإنتخاب للبلديات، واضاف كوتات نسوية وقلل سن الإنتخاب من 19 إلى 18 في غزل واضح نحو تيار ليبرالي هامد يسعى لتحفيزه وتنشيطه في مواجهة ألإخوان. واتبعتها الحكومة بالإعلان عن اتفاقية الغاء كافة اشكال التمييز ضد المرأة" مع تحفظات عديدة هدفها من جهة عدم استعداء رصيد الحكم العشائري والتقليدي في الأردن، وترك الباب مفتوحا لمساومات وتسويات مع اطراف داخل تيار الحركة الإسلامية لكي يلعب ببعضها ضد بعض في داخل تلك الحركة.ه
فالحركة الإسلامية إما انها تعي سمة التحولات الجارية ومراميها وإما انها لا تعي ذلك وتدفن رأسها في الرمال مركزة على قضايا اجرائية هنا وهناك. وموقف ما يسمى بـ"لجنة العلماء" الأخير من اتفاقية ازالة كافة اشكال التمييز ضد المرأة هو موقف خاطئ على هذه الطريق، واستنتاج غيرموفق يضرب حركة المعارضة والتحول الديمقراطي في البلاد في الصميم، ويضرب موازين القوى الإجتماعية المدنية لصالح السلطة. الأردن ليس الضفة وغزة. وهناك تعقيدات اكثر بكثير مما هو حاصل في فلسطين. لغاية الآن لم تقم الحركة الإسلامية الإعتبار للقوى الأخرى في المعارضة في الإردن حتى المتحالفة معها منها، إذ هي تستخدمهم شكليا لصوغ البيانات. كما ان دعواها للإصلاح السياسي والذي تهدف منه لأن يتم انتخاب الحكومة مباشرة من الشعب وان تكون مسؤولة منه والذي يردده قيادي الأخوان والحزب بين الحين والآخر، لم يعمدوا لترجمته إلى برنامج عملي، ولا حتى تثقيف قواعدهم به، والإيعاز لهم بالتنظيم على اساسه، ولا حتى بتكوين التحالفات من القوى القادرة والمعنية بانجاز مثل هذا التحول في الأردن. أو بالدعوة لإنتخاب جمعية تأسيسية تضع دستور جديد وعصري للبلاد. بغير ذلك سينتقل هذا التيار من عثرة لدحديرة، يضربه الحكم ثم تعديل طاقيته بغية شله وابعاده عن دائرة الفعل هو ومن خلفه الحركة الديمقراطية والليبرالية في الإردن. هذه الأخيرة التي تعتقد ان ما تقوم به الحكومة هو لسواد عيونها اوهكذا يوهم بعضها الحكم.ه