" لقد تفاجأ جمهور الناخبين صباح يوم الثلاثاء 31/7/2007م بمجزرة ديموقراطية وكارثة مسيئة بحق هذا الوطن وبحق هذا الشعب الكريم تتمثل باجراءات رسمية وتدبيرات حكومية صارمة ومنحازة نحو مرشحين محددين ، وضد مرشحين آخرين تتمثل باستغلال المؤسسة العسكرية وأفراد القوات المسلحة وحشدهم في عدد كبير من الحافلات وأمرهم بالتصويت علناً ( أميين ) مرات عديدة في صناديق متعددة ، بطريقة مكشوفة وتحت نظر جميع المواطنين كما تعمدت الأجهزة الرسمية عرقلة عملية الانتخاب وعرقلة سير المواطنين نحو الصناديق ، والاعتداء على العامة بالضرب واطلاق النار والاهانة في عمان والزرقاء والرصيفة واربد ومأدبا ."
فاي خراب هذا؟! لا شك انه من حق اي مواطن عسكري اوغير عسكري ان يدلي بصوته ويشارك في الحياة الديمقراطية في البلاد. لكن ان تزج الحكومة في الجيش على هذا النحو فهو خراب على مستويين على الأقل:
الأول: هو ان مدبري هذا التصويت قد قرروا ان يصوت افراد القوات المسلحة أميين. هذا يدل اولا على ان ثمة انعدم ثقة بين الحكومة وافراد القوات المسلحة وخياراتهم ورؤاهم السياسية الخاصة. لذا استدعى الأمر ان يفرض عليهم أن يصوتوا بشكل اميّ. إذ هي وعلى تمت عليه الأمور لا تريد ان تعطيهم حق التصويت السري اسوة باخوانهم المواطنين، ذلك انها هي تستخدمهم لأغراضها ومآربها السياسية الخاصة. لو كان الأمر مجرد حرص من الحكومة على ان يساهم اخوننا افراد القوات المسلحة في العملية الديمقراطية، لكانت تركت الأمر لكل فرد منهم ان يطلع وينتخب من هو مقتنع به لخدمة المواطنين والبلد، ولآحترمت الحكومة خياراتهم وسمحت لهم بمارستها بحرية وسري تامة. إن زج افراد القوات المسلحة بهذا الصراع السياسي الدائر على هذا النحو، واستخدامهم كما جري من قبل الحكومة هو تخريب لهؤلاء الجنود وضميرهم مثلما هو تخريب لما يفترض فيه ان تكون عملية انتخاب ديمقراطية. إنه فخ نظمته الحكومة لأفراد القوات المسلحة لزجهم في مواجهة اخوانهم المواطنين وقواهم المدنية والديمقراطية قد لا تحمد عقباه.
المستوى الثاني: وعليه فقد تم افراغ انتخابات البلديات من اي محتوى ديمقراطي، فقط تسمية بينما تتحكم الحكومة بالعملية من خارجها ومن تحتها ومن بين يديها، بل من كل جنابها. هذا تخريب حقيقي، وليس الناس هم من تزعم الحكومة انهم "غير جاهزين للديمقراطية" بل الحكم ذاته هو من ليس له مصلحة ينجاح اي تحرك ديمقراطي في البلاد ولا ثقة بمخراجات مثل هذه العملية، ولو حتى انتخاب عريف صف.
من وجهة نظري ان ما اقدمت عليه الحكومة هو تخريب وخراب كبير. ولكنه ليس بجديد بل متراكم وللحركة الإسلامية في الأرن تاريخيا دور ليس بالبسيط فيه، ويجب ان لا ينسى، وفيما وصلت إليه الأمور في البلاد، بل بما اتسمت به البلاد عبر تاريخ تأسيسها كدولة مستقلة منذ عشرينات القرن العشرين ولم يزل. فالحركة الإسلامية - الأخوان المسلمين تحديدا - كانوا ولا يزالوا "شريك استراتيجي " للحكم في تفكيك الحراك الديمقراطي ومؤسساته في الأردن عبر عقود طويلة ومتتالية. بل إنهم سيعملوا جاهدين على ان لا تتحول اعتراضاتهم الحالية إلى تحركات ومبادرات جماهيرية واسعة ومستقلة على الأرض. إن جوهر خطابهم هو رهان على الحكم اكثر مما هو رهان على الشعب ودور هذا الأخير الأساس في بناء وقيادة حركة وحياة ديمقراطية في البلاد. وإلا ماذا يعني دعوتهم الملك للتدخل؟ هل كان يمكن السماح لآفراد القوات المسلحة النزول للإنتخاب بدون معرفة وموافقة القصر على العملية برمتها؟ وطريقة اخراجها؟
يبقى ان ما اقدمت عليه الحكومة هو بروفا لما سوف تكون عليه الإنتخابات النيابية القادمة. وهو ينسجم تماما مع تراجع الإهتمام الأميريكي الأجوف - إدارة بوش على الأقل - عن مزاعمها في "نشر الديمقراطية" في العالم العربي. التي لم تجلب لها سوى مزيد من المعارضة والمتاعب مؤخرا.
...يتبع