والخطورة بالطبع هي في ازدياد جرائم القتل، وفي استسهال القتل والعنف في الحياة اليومية؟ ما هي الثقافة والديناميكية الاجتماعية التي صيرت وبررت وسهلت مثل هذا المستوى من الاستخفاف بحياة الناس؟ هذه العنجهية؟ وهي كارثة من قبل المعتدي ومصيبة اخرى في طريقة الرد الثأرية على الاعتداء والتي لا تقبل بغير الثأر والاعدام (القتل) قصاصا ليس من القاتل فحسب بل من اهله وعشيرته. وهذه عشائر يتمتع ابناءها بنسب تعليم عالية بل ان استعراض اسماء من مشو في الجاهات المتوالية من الطرفين ترى فيهم العديد من حملة الشهادات العلمية العالية ومن اصدقاء على مقاعد الدراسة الجامعية.
والكارثة ان جامعاتنا باتت مرتعا هي الاخري للهوشات والخصومات العشائرية. فقد جرى تجريدها على مر العقود الثلاثة الاخيرة من اي محتوى ديمقراطي مدني سواء على مستوى الطلاب اوالاساتذة. بقمع اليات الحوار والفكر المستقل فيها من قبل الدولة واجهزة الامن، وتدمير النقابات والاتحادات الطلابية المستقلة فيها. وايضا بالقضاء على امل المعلمين بنقابة مستقلة، والطلاب باتحاد عام مستقل يتم انتخابة مباشرة من قبلهم وبدون تدخل ادارات الجامعات وتعاون هذه الاخيرة مع الاجهزة الامنية.
ومن هو الكسبان في النتيجة ؟ ليس ما يسمى بـ"أمن البلد" و"استقراره" الكسبان بشكل اساسي هم حيتان القطاع الخاص، اصحاب الجامعات والمدارس الخاصة الذين استباحوا قطاع التعليم واثروا من بناء الجامعات والمدارس الخاصة. فالمهم هوالكم فقط وعدد الخريجين وليس تكوينهم وغنى تجربتهم الثقافية والتعليمية والانسانية. هذه معايير لا تعني القطاع الخاص وهوغير قادر على تحويلها لارقام في حسابة البنكي وليس له الصبر ولاالرغبة في استثمار المال والوقت فيها. وهو غير مضطر لذلك كون المؤسسات المنافسة في القطاع العام ليست بافضل حالا من الجانب النوعي.
تدمير مشابه وضمن نفس السياق ، لكن بشكل اوضح، تتوالي سيرورته الآن في قطاع الصحة العام في الاردن. فأي مراجع للمستشفيات العامة والعسكرية يرى الكارثة بل والفاقة التي تعاني منها هذه المستشفيات. الفاقة المادية والاخلاقية وهذا يفسر في ولو جزئيا لماذا يزداد تعرض العديد من الاطباء والممرضين\ات للضرب من قبل المراجعين . وهذا بدوره ليس حلا ايضا.
وقد تسمع ايها القارئ من احدهم ان المجتمع كله قايم على الضرب وما بفهم غيرالضرب. وهذا كلام نراه عقيم ولا يفسر شيئا. لكن استمراء تجاهل عمق ما نحن فيه من ازمة نتيجة سياسات الدولة التي تضع مصالح المواطنين في ادنى سلم اولوياتها وتجهض مؤسساته الديمقراطية والمنتخبة وتسد قنواته السلمية والمدنية في التعبير عن رأيه وتحول دون مشاركته السياسية في صنع مستقبل بلده وخياراته السياسية. سياسة الدولة التي تشخصن حقوق المواطنين ومكتسباتهم وتقطرها عليهم عبر قنوات عشائرية ونفعية ضيقة هي المسرولة عن هذا الخراب. فالتعليم العالي بـ"مكرمة" وكراسي "ديوان" واخرى "عشائر" ، واكمال العلاج لمريض وهو حق دستوري بالمناسبة، يتم بـ"اعطية" من " الديوان". ثم يتم تزوير ارادة الناس بقانون الصوت الواحد للانتخابات بحيت لا يتعدى جمهور النائب سوى جزء من عشيرته واهل بيته الا ما استطاعت ايمانهم.. ليس غريبا ان تقف وزارة الخارجية طرفا عشائريا في هذا النزاع اوتكاد.. هذه هي سياسة الخراب التي تسيطر على البلاد وهي آخذة في التفسخ وعلى نحو مقزز الآن. وللاسف فلن تكون عجلون اوعنجرة هي الاخيرة في هذه السلسلة..